العيون بين الفسيولوجيا ومدلولها في الشعر العربي
قال فيلسوف امريكي (( العيون تنطق بكل لسان ولا تحتاج في احاديثها الى ترجمان .. لاميزة عندها بين الاعمال أو المناصب .. أو الاجناس ولا عبرة لديها بالغنى أو الفقر.. ولا بالعلم أو الجهل.. ولا بالقوة أو الضعف.. وهي لاتفتقر في التعارف الى وسيط كما يفعل الإنجليز بل تقدم نفسها إليك وتخاطبك وتباحثك فتوحي إليك في لحظة ما لايستطيعه اللسان في أيام ))...
ولغة العيون يتحادث بها الناس كما يتحادثون بألسنتهم .. إلا ان حديث النواظر أفصح حديثا لأنه يدور في لغة عامة لاتحتاج في تعلمها الى قاموس وإذا قالت اللعين قولا وقال اللسان قولا فالصادق هي لا هو والعمدة على قولها لا على قوله :
قال الشاعر حيص بيص:
العين تبدي الذي في قلب صاحبها= من الثناء أو حب إذا كانا
إن البغيض له عين يصدقها= لا يستطيع لما في القلب كتمانا
فالعين تنطق والأفواه صامتة = حتى ترى من صميم القلب تبيانا
وقال شاعر آخر:
إن العيون لتبدي في نواظرها= مافي القلوب من البغضاء والمحن
وقال آخر:
عيناك قد دلتا عيني منك على= أشياء لولاهما ما كنت رائيها
والعين تعلم من عين محدثها= إذ كان من حزبها أو من اعاديها
وقال أحد شعراء هذا العصر:
وإذا أعوز اللسان بيان= فعلى العين بسط تلك المعاني
فتراها تجول بين جفون= تتمنى لو أنها شفتان
وللعين دلالات يقصر عنها اللسان فمنها العيون المريبة ، والواثقة، والخائفة ، والجريئة ، ومنها النافذة الكلمة ، والضعيفة الحجة ، ومنها الوديعة ، والمتكبرة ، والمتمدنة والمتوحشة، زيادة على تقلبات صاحبها باختلاف ما يطرأ عليها من العواطف فهي تحمر من الغضب وتبرق من الانعطاف وتذبل من العشق
وقد تغزل العرب كثيرا بالعيون الذابلة وهم يصفونها بالانكسار والفتور والسقام والكسل والمرض قال الشاعر:
ياحامل السيف الصحيح إذا رنت= إياك ضربة جفنها المتكسر
وقال الشاعر عنترة ابن شداد:
لها من تحت برقعها عيون= صحاح حشو جفنيها سقام
وقال الشاعر شهاب الدين الاعزازي:
رد منا القلوب منكسرات= عند ما راح كاسرا أجفانه
وقال الشاعر جرير:
إن العيون التي في طرفها مرض= قتلننا ثم لا يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لاحراك به= وهن أضعف خلق الله انسانا
وقد عبر كثير من الشعراء عن مدلول العيون كلغة تواصل بين المحبين ، قال الشاعر حسين المحضار:
رمش عينه بريد المحبه = بين قلبي وقلبه
باقي الناس ما يعرفونه= عنب في غصونه
وللعين من الاوصاف والاسماء الكثيرة عند العرب وهذه الاسماء تتعلق بحجم العين والتي تتفاوت بين العين الصغيرة ( الخوصاء ) وهي الغائرة الصغيرة والعين ( النجلاء ) الواسعة الكبيرة وبين الخوصاء والنجلاء هناك درجات إلا ان العرب اكثر الأمم اعجابا بالعين الكبيرة خاصة في النساء فهي عندهم عنوان الجمال وقد شبهوا المرأة الجميلة ببقر الوحش ( المها ) أوبعيون الغزلان لكبر عيونها وجاء في اشعارهم قول بعضهم:
ما أطيب الموت في عشق الملاح كذا = لاسيما بجفون الأعين النجل
وقال شاعر آخر:
عيون المها بين الرصافة والجسر= جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
وأخير قال مجنون ليلى:
عيناك عيناها وجيدك جيدها= لكن عظم الساق منك دقيق
المصدر / منتدى الدراسات